غيّرت الحوسبة السحابية كثيرًا في طريقة عمل الشركات والمستخدمين اليوم، لا يسعنا تجاهل أثرها، فمعظم البرامج التي نستعملها توجد على السحابة، وبفضلها أصبحت الشركات الناشئة قادرة على تطوير برمجياتها ونشرها بدون شراء خوادم مرتفعة الثمن وتجهيز مراكز بيانات قياسية لتشغيلها، بل وأصبح المطورون المستقلون قادرين على إطلاق تطبيقاتهم الخاصة عبر الإنترنت بأقل التكاليف، والحالة مشابهة للباحثين، فقد مكنتهم الحوسبة السحابية من مشاركة البيانات وتحليلها على نطاق واسع كان في الماضي حكرًا على المشاريع كبيرة التمويل، وحتى المستخدم العادي استفاد منها فوضعت في متناوله مساحاتٍ كبيرة لتخزين الوسائط الرقمية ومشاركتها تتجاوز بكثير قدرات حاسوبه الشخصي.
فما هي السحابة بالضبط؟ كيف تقدم خدماتها للمشتركين؟ ما هي فوائدها؟ وعلى أي مخاطر تنطوي؟ والأهم كيف تستخدمها لمشروعك الخاص؟
ما هي الحوسبة السحابية؟
الحوسبة السحابية Cloud Computing هي تقديم الموارد الحاسوبية للمستخدم بصيغة خدمة، وتبقى ملكية هذه الموارد لمزود الخدمة السحابية، وهو المسؤول عن إدارتها، قد تتضمن أي شيء تحتاجه بدءً من التطبيقات المستندة إلى المتصفح، مثل: تيك توك ونتفليكس، ومنصات الطرف الثالث المخصصة لتخزين الصور والوسائط الرقمية الأخرى، مثل: أيكلاود ودروبوكس، ووصولًا إلى خوادم الطرف الثالث التي تستخدم لدعم البنية التحتية للأعمال أو المشاريع البحثية أو الشخصية.
قبل انتشار الحوسبة السحابية كان كل من يرغب باستخدام الموارد الحاسوبية يذهب لشراء التجهيزات والبرمجيات التي يحتاجها، ويعمل على تشغيلها، وصيانتها بنفسه أو بتوظيف تقنيين مؤهلين لأداء المهمة، أما اليوم مع التوفر الواسع للتطبيقات وخدمات التخزين والأجهزة الافتراضية المستندة إلى السحابة، أصبح بإمكان الأفراد والشركات تحصيل إمكانات هائلة من الموارد حسب طلبهم عبر الإنترنت. وقد وفر عليهم هذا الانتقال من الموارد المحلية إلى الموزعة تكاليف شراء البرمجيات والتجهيزات، وتشغيلها، وصيانتها. وترافق ذلك مع ظهور نمط جديد من الأعمال المعتمدة كليًّا على السحابة، وتغيرت مهام تقنية المعلومات في الشركات، وتحولت الكثير من النشاطات اليومية إلى عمليات حاسوبية. ولم يقتصر تأثيرها على الأعمال فقط بل امتدّ للأفراد أيضًا، فيمكنهم اليوم عقد اجتماعات افتراضية عبر الإنترنت أو استخدام المنصات التعاونية للعمل على المشاريع المشتركة، بالإضافة إلى إمكانية الوصول للمحتوى الترفيهي والتعليمي حسب الطلب، دون أن ننسَ تقنيات المنازل الذكية التي تتيح التحكم بالأجهزة المنزلية عن بعد، والتطبيقات الذكية التي تسمح لنا بطلب سيارة أجرة أو إجراء حجز فندقي من منازلنا عبر الهاتف المحمول.
تعريف الحوسبة السحابية
نورد فيما يلي تعريف الحوسبة السحابية حسب المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا (NIST)، وهو وكالة غير تنظيمية تتبع لوزارة التجارة الأمريكية وتشجع على الابتكار:
اقتباسالحوسبة السحابية هي نموذج يتيح الوصول الشبكي الواسع والسهل وحسب الطلب إلى مجموعة مشتركة من الموارد الحاسوبية القابلة للإعداد، مثل: الشبكات والخوادم ووحدات التخزين والتطبيقات والخدمات، التي يمكن تأمينها وإطلاقها بسرعة قياسية، وبأقل مجهود إداري أو تفاعل مع مزود الخدمة.
يحدد NIST خمس خصائص رئيسية للحوسبة السحابية:
-
الخدمة الذاتية حسب الطلب: لا يستلزم الوصول إلى الموارد السحابية أو توفيرها أي تفاعل بشري مع مزود الخدمة، إذ يصل المشترك مباشرةً إلى الخدمات السحابية بمجرد التسجيل SignUp. وتستطيع المؤسسات أيضًا إنشاء آليات خاصة تمنح بواسطتها موظفيها أو عملائها أو شركائها صلاحيات الوصول إلى خدماتها السحابية الداخلية وفق قواعد تحددها مسبقًا، وبطريقة سهلة بدون الاستعانة بخدمات تقنية المعلومات.
-
الوصول الشبكي واسع النطاق: يستطيع المستخدمون الوصول إلى الخدمات والموارد السحابية من أي جهاز وفي أي موقع متصل بالشبكة بشرط امتلاكهم أذونات الوصول.
-
تجميع الموارد: موارد مزود الخدمة السحابة مشتركة بين عدة مشتركين، مع ضمان الاستقلالية والخصوصية وحجب بيانات كل مشترك عن الآخرين.
-
المرونة السريعة: يمكن للمشترك زيادة موارد الحوسبة السحابية المحجوزة لصالحه أو تخفيضها أو تعديلها حسب احتياجات عمله بسرعة ومرونة، على عكس التجهيزات والبرامج الموجودة لديه محليًّا في منزله أو شركته.
-
قياس الخدمة: توفر الحوسبة السحابية أدوات خاصة لقياس نسب استخدام الموارد السحابية، ويدفع المشتركون مقابل الموارد التي استخدموها فقط في كل دورة فوترة.
تساعد هذه الخصائص الشركات على الانتقال إلى الحوسبة السحابية، وتوفر لهم فوائد عديدة سنعرضها في متن المقال، أما فقرتنا التالية فتتناول تاريخ الحوسبة السحابية.
تاريخ الحوسبة السحابية
ترجع جذور الحوسبة السحابية إلى خمسينيات القرن العشرين، عندما كانت الشركات والجامعات تؤجر حواسيبها المركزية للمستخدمين لأوقات عمل محددة، فقد كانت الحواسيب في حينها غالية الثمن وكبيرة الحجم لدرجة لا تسمح للأفراد العاديين باقتنائها، فاستئجار العمل عليها كان سبيلهم الوحيد لاستخدامها. لاحقًا مع بداية الستينيات، بدأ علماء الحاسوب أمثال جون مكارثي من جامعة ستانفورد، وجي سي آر ليكليدر من وكالة مشاريع الأبحاث المتقدمة التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية (ARPA)، باقتراح أفكار مهدت للحوسبة السحابية كما نعرفها اليوم، مثل: تصور مفهوم الحوسبة بهيئة مرفق عام أو منفعة عامة يمكن للناس الوصول إليها بواسطة شبكة من الحواسيب المنتشرة حول العالم.
وبالرغم من هذه الأفكار المبكرة لم تصبح الحوسبة السحابية حقيقة ملموسة ومفهومًا واسع الانتشار حتى العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، فقد شهدت هذه الفترة إطلاق أشهر الخدمات السحابية العالمية، مثل: Amazon’s Elastic Compute وخدمة التخزين البسيطة S3 في العام 2006، و Heroku في 2007، و Google Cloud Platform في 2008، ومنصة Alibaba Cloud في 2009، و Windows Azure في 2010 المعروفة حاليًّا بمنصة Microsoft Azure، وأخيرًا SmartCloud من شركة IBM و DigitalOcean في العام 2011. ساعدت هذه الخدمات أصحاب الأعمال على ضبط نفقاتهم المالية، عبر تهجير البنى التقنية من مقرات شركاتهم إلى المنصات السحابية، وأيضًا أفادت المطورين المستقلين وفرق التطوير الصغيرة، فوفرت لهم الموارد الحاسوبية اللازمة لتطوير تطبيقاتهم ونشرها. انتشرت في هذه الفترة التطبيقات القائمة على السحابة، والمعروفة باسم البرمجيات بصيغة خدمة (SasS)، التي نناقشها بالتفصيل في فقراتنا القادمة، وتزامن انتشارها مع تراجع أعداد البرمجيات المستضافة محليًا على خوادم الشركات، وأيضًا البرمجيات التي يتعين على المستخدمين تثبيتها على أجهزتهم قبل استثمارها وصيانتها على الدوام. خلاصة القول: أن SaaS سهلت توفر التطبيقات، وساهمت في انتشارها عبر السماح للمستخدمين بالوصول إليها من مجموعة متنوعة من الأجهزة وحسب الطلب.
تتنوع التطبيقات القائمة على السحابة، فبعضها يعود للشركات نفسها التي تمتلك المنصات السحابية، مثل: تطبيقات جوجل أي جيميل وجوجل درايف ومستندات جوجل، وتطبيق مايكروسوفت 365 النسخة السحابية من Microsoft Office Suite، وبعضها الآخر مملوك لشركات أخرى استثمرت خدمات مزودي الخدمات السحابية ووائمت تطبيقاتها الموجودة مسبقًا معها، مثل تطبيق Adobe Creative Cloud. وظهرت أيضًا موجة من التطبيقات السحابية الخالصة المعتمدة على SaaS، أبرزها: نتفليكس في العام 2007، ومنصة الموسيقى Spotify في 2008، وخدمة استضافة الملفات Dropbox التي انطلقت في 2009، ومنصة زووم لاتصالات الفيديو في العام 2012، و Slack للتواصل الاجتماعي في 2013. أصبحت البنية التقنية القائمة على السحابة خيارًا مفضلًا لكثير من الشركات، وعلى ما يبدو أن انتشارها أخذٌ بالازدياد أكثر فأكثر.
نماذج الحوسبة السحابية
تُقَدَّم الخدمات السحابية للمشتركين بنماذج متعددة كلٌ حسب احتياجات عمله، ولكل نموذم مستوى معين من الدعم والمرونة.
البنية التحتية بصيغة خدمة IaaS
البنية التحتية بصيغة خدمة Infrastructure as a Service واختصارها Iaas، هي تقديم مكونات البنية التحتية للمشترك حسب الطلب، مثل: نظم التشغيل والشبكات ومساحات التخزين وغيرها، يمثل هذا النموذج المكافئ الافتراضي للخوادم المادية، لأنه يغني المشترك عن شرائها وصيانتها، ويقدم له المرونة في توسيع الموارد حسب حاجته والدفع لقائها. يناسب Iaas الشركات الراغبة باستثمار الحوسبة السحابية، ولديها مهندسين ومديري نظم أكفاء وقادرين على تثبيت نظم التشغيل، وأدوات التطوير، وكافة مكونات البنية التحتية الأخرى، مع إعدادها وإدارتها، ويستخدمه أيضًا المطورون والباحثون وغيرهم من الراغبين بتخصيص البنية التحتية للحوسبة السحابية كما يريدون. تدعم خدمات IaaS كامل احتياجات البنية التحتية بسبب مرونتها العالية، بدءًا من البنية التحتية لحوسبة الشركة، وصولًا إلى استضافة الويب، وتحليل البيانات الضخمة.
النظام الأساسي بصيغة خدمة PaaS
النظام الأساسي بصيغة خدمة Platform as a Service واختصارها Paas، يعمل مزود الخدمة هنا على تثبيت البنية التحتية الأساسية، مثل: نظام التشغيل، والبرامج الأساسية الأخرى، ويكون مسؤولًا عن إعدادها وصيانتها، وهو ما يؤمن للمستخدمين بيئةً معيارية مستقرة الأداء، ومختبرة جيدًا، تتيح لهم التركيز على تطوير تطبيقاتهم ونشرها، لذا فمطورو البرمجيات وفرق التطوير التعاونية هم أكثر من يستخدم خدمات PaaS فهي تخفف عنهم عبء إعداد البيئة الحاسوبية للتطوير، وصيانتها فيما بعد، بالإضافة لكونها تناسب طبيعة العمل الموزع، وتسهل التعاون بينهم. إذًا PaaS خيارٌ مثالي لكل مطور لا يحتاج بالضرورة إلى تخصيص البنية التحتية لبيئته الحاسوبية بنفسه، أو يفضل تركيز اهتمامه على تطوير التطبيق بدلًا من تنفيذ مهام DevOps وإدارة النظام.
البرمجيات بصيغة خدمة SaaS
البرمجيات بصيغة خدمة Software as a Service واختصارها SaaS، هي تطبيقات قائمة على السحابة cloud-based، يصلها المستخدمون عبر الإنترنت، ولا يحتاجون لتثبيتها على أجهزتهم ولا إلى صيانتها، والأمثلة كثيرة نحو: مستندات جوجل، و GitHub، و Slack، و Adobe Creative Cloud وغيرها. تحظى خدمات SaaS بشعبية كبيرة بين الشركات والمستخدمين عمومًا لعدة أسباب أبرزها: سهولة الاعتماد عليها، وتبنيها نهجًا جديدًا للعمل، وإمكانية الوصول إليها من أي جهاز، وتوفيرها إصدارات أو باقات متنوعة تناسب جميع الفئات، مثل: المجانية، والمميزة Premium، والخاصة بالمؤسسات Enterprise. تتشابه SaaS مع PaaS بأنها تعفي المشترك من المسؤوليات الخاصة بالبنية التحتية للتطبيق فلا يتاح له التفاعل مع الواجهة إلّا التي يستخدمها.
البيئات السحابية
تستند الخدمات السحابية إلى موارد حاسوبية عامة أو خاصة، ولكل منها أغراض محددة:
السحابة العامة
تشير السحابة العامة Public Cloud إلى الخدمات السحابية التي يقدمها مزود خدمة تجاري للأفراد والشركات، مثل: الأجهزة الافتراضية أو مساحات التخزين أو التطبيقات، والتي تكون مواردها أو بنيتها التحتية مستضافة بالكامل في مقر المزود، ويصل إليها المشتركون عبر الإنترنت. لا تُعدّ هذه الخدمات مناسبة دائمًا للمؤسسات التي تشترط مستوى عالي من الأمان، مثل: مؤسسات الرعاية الصحية أو المؤسسات المالية، فقد لا تتوافق مع لوائحها المتعلقة بخصوصية بيانات العملاء.
السحابة الخاصة
يُقصد بالسحابة الخاصة Private Cloud الخدمات السحابية التي تملكها وتديرها المؤسسة التي تستخدمها، وتكون متاحة حصرًا لموظفيها وعملائها. توفر السحابة الخاصة للمؤسسة إمكانات تحكم عالية ببيئتها الحاسوبية والبيانات المخزنة عليها، وموازنةً بالسحابة العامة فهي تقدم مستويات أمان أعلى إذ يصل إليها المستخدمون عبر شبكات خاصة، وتشرف المؤسسة بنفسها على أمان السحابة، وهذا يجعلها الخيار الأفضل للمؤسسات عالية التنظيم، مثل المؤسسات الحكومية والمالية. يقدم بعض مزودي الخدمة السحابية العامة خدماتهم بهيئة تطبيقات يستطيع المشترك تثبيتها على سحابته الخاصة، وبذلك تحتفظ المؤسسات ببنيتها التحتية وبياناتها في مقر عملها، وتحقق معايير الأمان، وتستفيد بالوقت نفسه من أحدث ميزات السحابة العامة. يفيدك الاطلاع على المقال 7 تدابير أمنية لحماية خواديمك بصفته دليلًا مبدئيًا تستند إليه في تأمين خوادمك الخاصة.
السحابة الهجينة والسحابة المتعددة
تستخدم العديد من المؤسسات بيئة سحابية هجينة Hybrid Cloud تجمع بين السحابة العامة والخاصة، وتحقق التوازن بين حاجتها للاعتماد على مزود سحابة عامة في بعض الجوانب، وضرورة التزامها باللوائح التي تنظم عملها. أما السحابة المتعددة Multicloud فيقصد بها اعتماد المؤسسة على أكثر من مزود سحابي عام لتأمين احتياجاتها، على سبيل المثال: الاشتراك بالخدمات السحابية لأمازون وديجتال أوشن بالوقت نفسه.
فوائد الحوسبة السحابية
تقدم الحوسبة السحابية فوائد جمّة للأفراد أصحاب الأعمال والمطورين والمؤسسات المختلفة، تختلف باختلاف أهدافهم وطبيعة نشاطاتهم.
للأعمال والقطاعات المختلفة
تحتاج أي مؤسسة مهما كان نشاطها إلى موارد حاسوبية من تجهيزات وبرمجيات لتتمكن من أداء أعمالها الحاسوبية، وقبل انتشار الحوسبة السحابية، كانت معظم الشركات والمؤسسات تشتري هذه الموارد من تجهيزات وبرامج وتهتم بتشغيلها وصيانتها، أما اليوم مع توفر الحوسبة السحابية على نطاق واسع اعتمدت عليها معظم المؤسسات في تخزين بياناتها وتوفير برمجيات عملها سواء التجارية أو المؤسساتية، بالإضافة لاستخدامها في نشر تطبيقاتها وخدماتها الإلكترونية للعملاء عبر الإنترنت. تتخصص بعض الخدمات السحابية بمجالٍ معين، مثل: الرعاية الصحية أو التعليم أو غيره، فتجد مثلًا خدمات سحابية مصممة خصصيًا لتخزين بيانات المرضى ومشاركتها أو للتواصل معهم، وخدمات أخرى مناسبة للأوساط الأكاديمية يعتمدها المعلمون والباحثون، نحو: تطبيقات التدريس، والبحث المستندة إلى السحابة. ومع ذلك يوجد أيضًا عدد كبير من الأدوات السحابية العامة التي لا تنحصر فائدتها لصناعة معينة أو قطاع محدد، مثل: تطبيقات الإنتاجية، والمراسلة، وإدارة النفقات، ومؤتمرات الفيديو، وإدارة المشاريع، والنشرات الإخبارية، والاستطلاعات، وإدارة علاقات العملاء، وخدمات إدارة الهوية، وجدولة المهام والقائمة تطول. يُظهر هذا النمو المتسارع لتطبيقات الأعمال والبنى التحتية القائمة على السحابة، أن الحوسبة السحابية أكثر من تقنية غيرت إستراتيجية تقنية المعلومات للأعمال المختلفة: بل أنها أيضًا عملٌ مزدهر في حد ذاته.
تتعدد المزايا التي توفرها التقنيات السحابية للشركات، لعل أبرزها تخفيض تكاليف تجهيز البنية التحتية التقنية للشركة داخل مقرها، وتخفيض نفقات تشغيلها وصيانتها، بسبب الاستعاضة عنها بالموارد الحاسوبية المستأجرة على السحابة، والتي يمكن توسيعها بسرعة ومرونة حسب رغبة الشركة، والدفع لقاء ما تستهلك منها فقط، أضف إلى ذلك مساهمة الخدمات السحابية في تعزيز التعاون داخل الشركة، ومشاركة البيانات بين الموظفين في الزمن الحقيقي، ورفع كفاءة عمليات تقنية المعلومات الداخلية، فتسرع مثلًا وصول الموظفين إلى الخدمة عند الطلب دون المرور بسلسلة طويلة من الإجراءات والموافقات التقنية.
للمطورين المستقلين
جعلت الحوسبة السحابية الموارد التي كانت سابقًا حكرًا على الشركات والمؤسسات الكبيرة في متناول المطورين المستقلين حسب الطلب عبر الإنترنت، وبتكاليف بسيطة نسبةً إلى تكاليفها السابقة، فيمكنهم الآن إنجاز عمليات نشر البرمجيات واختبارها بسرعة ويُسر باستخدام التطبيقات السحابية، وبالإضافة إلى ذلك سهلت هذه التطبيقات مثل GitHub مشاركة الشيفرات البرمجية بين المطورين، والتعاون على مشاريع مفتوحة المصدر. دون أن ننسَ المنصات التعليمية السحابية وما أتاحته من دورات برمجة تفاعلية وسّعت خيارات التَعلُّم أمام المطورين، ومكنتهم من تعلم البرمجة بمرونة في الوقت الذي يناسبهم.
ساهمت هذه الموارد الحاسوبية والتعليمية القائمة على السحابة بتخفيف العوائق التي تحول دون تعلُّم المطورين المهارات البرمجية التي يحتاجونها، ونشرهم التطبيقات عبر إلى السحابة. فبوجودها لم يعد تلقي التدريب الرسمي، ووجود الشركة الداعمة، ورأس المال الكبير شروطًا إلزامية ليخوض الأفراد تجربة إنشاء التطبيقات ونشرها، بل ولينافسوا اللاعبين الأساسيين في هذا المجال.
للباحثين
برزت الحاجة إلى الحوسبة السحابية في مشاريع البحث العلمي مثل: الفلك والفيزياء والجينوم والذكاء الاصطناعي، مع تزايد اعتماد هذه البحوث على أساليب التعلم الآلي الذي يجمع ويحلل كميات كبيرة من البيانات الضخمة التي تستوجب موارد حاسوبية عالية الأداء تتجاوز مواصفات أي حاسوب يملكه باحث فردي أو توفره جامعة. وهنا يأتي دور الخدمات السحابية إذ تسمح للباحثين بالوصول إلى الموارد الحاسوبية التي يتطلبها عملهم والدفع لقائها فقط، بالإضافة إلى تسهيل التعاون مع شركاء البحث في الزمن الحقيقي وأينما كانوا حول العالم. بالمختصر لولا الخدمات السحابية المتوفرة للمستهلكين اليوم كانت ستقتصر غالبية بحوث التعلم الآلي الأكاديمية على قلة من الأفراد المتاح لهم الوصول إلى موارد حاسوبية عالية المواصفات توفرها لهم جامعاتهم.
للمعلمين والطلاب
أمنت الحوسبة السحابية للطلاب أدوات وفرص متعددة لاستكمال تحصيلهم العلمي، وتطبيق مهاراتهم التقنية عمليًّا في أثناء تعلمهم. يوجد العديد من المنصات السحابية التي تتيح مشاركة البيانات والشيفرات البرمجية، وتدريسها، والتعاون عليها، مثل: GitHub، و Jupyter Notebooks، وهو ما يساعد الطلاب على صقل مهاراتهم والتدّرب العملي عليها عبر الدراسة، والنشر، والمساهمة في المشاريع مفتوحة المصدر والمشاريع البحثية المتعلقة بمجال دراستهم أو طموحاتهم المهنية. ويستطيع الطلاب أيضًا، مثل المطورين المستقلين، الاستفادة من موارد الحوسبة السحابية، ونشر شيفراتهم البرمجية والتطبيقات التي عملوا عليها للعموم لتلقي الآراء، وفهم المتطلبات والاحتياجات الحقيقية للعملاء وسوق العمل.
تساعد الحوسبة السحابية الطلاب والباحثين والمعلمين على دعم البنية التحتية الأكاديمية الخاصة بالمؤسسات العلمية التي ينتمون إليها، وزيادة مستوى التحكم في بيئاتها الحاسوبية، فيحددون مثلًا الأدوات والتطبيقات التي يفضلون استخدامها، ويخصصون وظائفها المختلفة حسب شروطهم، أو يضعون قيودًا على عمليات جمع البيانات أو غير ذلك. وفي هذا الإطار ظهرت مجموعة من المنصات المخصصة للقطاع الأكاديمي، والتي حلت بالتدريج مكان العروض السحابية الموجهة للأكاديميين، على سبيل المثال لا الحصر: منصة voyant التي توفر وظائف التحليل النصي للمستندات بدون برمجة، و منصة The HathiTrust التي تتيح الوصول إلى مجموعة كبيرة من المجلدات العلمية الإلكترونية في مختلف المجالات، بالإضافة إلى منصات Reclaim Hosting، و Commons in a Box، و Humanities Commons، و Manifold المتضمنة مجموعة مهمة من الأدوات التعليمية، والشبكية، والأدوات المساعدة على نشر البحوث المصممة خصيصًا لدعم الأكاديميين.
للبنية التحتية المجتمعية
يفضل بعض الأفراد والمجتمعات في الشركات أو فرق العمل تثبيت برنامجهم السحابي وإدارته بأنفسهم، لعدة أسباب منها: تلبية احتياجات مجتمعهم وقيمه التي يلتزم بها، وتخصيص وظائف البرنامج بالكيفية التي يريدونها، وحماية بيانات المستخدمين، والتحكم أكثر ببيئتهم الحاسوبية. ويوجد العديد من البرمجيات مفتوحة المصدر التي تؤمن طلبهم، على الرغم من كونها تتطلب جهدًا أكبر في الإدارة والتحكم، إلّا أنها تُعدّ بدائل مقبولة لخدمات SaaS التجارية، ومنصات التواصل الاجتماعي التجارية التي تحدّ غالبًا إمكانات التحكم والخصوصية وإدارة البيئة الحاسوبية الممنوحة للمستخدمين، وتفضلها بعض المجتمعات على خدمات SaaS بسبب مخاوفهم من طريقة تعامل المنصات الشهيرة والشركات التجارية مع البيانات الشخصية للمستخدمين، نذكر لك بعضًا من هذه المنصات مفتوحة المصدر على سبيل المثال لا الحصر: أداة التواصل الاجتماعي Mastodon، وبرنامج مؤتمرات الفيديو Jitsi، ومحرر النصوص التعاوني Etherpad، وأداة الدردشة Rocket Chat.
المخاطر، والتكاليف، والأخلاقيات في الحوسبة السحابية
وسط كل الفوائد التي تقدمها الحوسبة السحابية للمستخدمين، يوجد بعض الاعتبارات التي ينبغي أخذها بالحسبان عند الاعتماد على أي خدمة سحابية، أهمها: المخاطر المحتملة، والتكاليف، والمعايير الأخلاقية. ويختلف أثرها على المستخدمين باختلاف طبيعة عملهم على السحابة، فبعضها يؤثر على جميع المستخدمين سواء كانوا أفرادًا أم شركات، وبعضها الآخر يملك تأثيرًا أكبر على الشركات والمؤسسات التي تخزن بيانات عملائها على السحابة.
اعتبارات تهم جميع مستخدمي السحابة
-
الأمان: الموارد السحابية معرضة للثغرات الأمنية أكثر من مراكز البيانات التقليدية الموجودة داخل مقرات الشركات، لأن مرونتها في الوصول إلى قطاعات واسعة من المستخدمين تفرض عليها استعمال أدوات، مثل: واجهات برمجة التطبيقات APIs، وبيانات المصادقة القائمة على السحابة، والخدمات عند الطلب، التي قد تسهل حصول المخترقين على وصول غير مصرح به للموارد السحابية. لذا ننصحك عند اختيار خدمتك السحابية بتحري تدابير الحماية التي يعتمدها مزود الخدمة لحماية بيانات مشتركيه من السرقة والهجمات الأخرى، وبالاطلاع على أفضل الممارسات التي يتبعها المستخدمون عادةً لحماية بياناتهم على السحابة، وأيضًا على خدمات الحماية الإضافية التي يمكنهم استخدامها. يمكنك مراجعة مقال ما هو الأمن السيبراني وما أهميته؟.
-
فقدان البيانات: تتعرض البيانات المخزنة على السحابة لخطر الفقدان، مثلها مثل البيانات المخزنة على الأجهزة المملوكة أو المُدارة من المستخدم، وذلك بسبب الكوارث أو الأعطال أو الأخطاء البرمجية أو أخطاء المستخدم أو غيرها من الحالات الطارئة. لذا احرص على تفحص خدمات النسخ الاحتياطي التي يوفر لك المزود السحابي، وفيما إذا كانت أوتوماتيكية أم يدوية، مجانية أم مدفوعة، وانظر أيضًا إذا كان باستطاعتك تشغيل النسخ الاحتياطي بنفسك.
-
التمسك بالبيانات: يفضل بعض مستخدمي الخدمات السحابية التأكد من حذف بياناتهم الشخصية التي قدموها لمزود الخدمة في أثناء اشتراكهم، ويصعب عليهم التأكد من حذفها، فهذه العملية طويلة ومعقدة وتاكد تكون مستحيلة. فإذا كنت أحد هؤلاء وتفكر بحذف بياناتك لاحقًا، حاول التعرّف أكثر على سياسات مزود الخدمة بخصوص حذف بيانات المستخدمين قبل منحه حق الوصول لبياناتك الشخصية.
-
التكاليف: توفر الحوسبة السحابية على المستخدمين تكاليف امتلاك الموارد نفسها محليًا هذا أمرٌ لا ريب فيه، لكن فواتير استخدامها قد ترتفع مع زيادة الاستهلاك، لذا ننصحك عند الاشتراك بأي خدمة سحابية بتفقد كافة تفاصيل الفوترة، وفهم طرق احتسابها، وآليات قياس الخدمات والاستهلاك، ويمكنك أيضًا الاستفادة من خصائص توفيرية، مثل: تثبيت حدود قصوى للاستهلاك لا يسمح لك بتخطيها، أو تلقي إشعارات عند تجاوزك حد معين من الباقة.
-
التقيُّد بمزود معين: مستخدمو الخدمات السحابية المملوكة أو مغلقة المصدر هم الفئة الأكثر عرضة لخطر التقيُّد بمزود خدمة معين، فيصعب أو يستحيل عليهم تغيره فيما بعد، فقد نظموا جميع عملياتهم الحاسوبية لتتلائم مع نظامه المغلق. يساعدك استخدام المنصات السحابية مفتوحة المصدر في تخفيف هذه المخاطر، فتُسهّل عليك المعايير المفتوحة التي تعتمدها ترحيل عملياتك من مزود خدمة سحابية إلى آخر. لكن في جميع الأحوال، تُعدّ عمليات ترحيل الأنظمة من أدق العمليات التقنية التي ينبغي لمستخدمي الحوسبة السحابية إدراك حساسيتها وحاجتها لقدر كبير من العمل والتخطيط والخبرة.
-
استخدام المزود لبياناتك: يستخدم بعض مزودي الخدمات السحابية بيانات عملائهم، لأغراض متعددة، مثل: فهم سلوكهم وطريقة تفاعلهم مع المنتجات السحابية، وبيع الإعلانات أو تخصيصها لاستهداف شرائح معينة منهم، وتدريب خوارزميات التعلم الآلي، وقد يبيعونها لجهات خارجية أو غير ذلك. لذا إذا كنت متخوفًا من كيفية استخدام المزود السحابي لبياناتك الشخصية أو بيانات شركتك أو مؤسستك، تأكد من سياسات مزود الخدمة فيما يتعلق بطرق استخدامه للبيانات قبل الاشتراك بخدماته.
-
القيم الأخلاقية للمزود: يتمتع بعض مزودي الخدمات السحابية بتأثير وسلطة لا يستهان بها على القضايا العالمية، لذا يسعى الكثير من مستخدمي السحابة عند اختيارهم للمزود إلى معرفة القيم التي يدعمها ومواقفه الأخلاقية من مسائل مثل: جمع بيانات المستخدمين، والإعلانات، وخطاب الكراهية، والبيئة، وتقديم المعلومات المضللة، والعمالة… إلخ.
-
فقدان التحكم الكامل: موارد الحوسبة السحابية في نهاية الأمر هي موارد طرف ثالث لذا يستحيل على المشترك التحكم بها تحكمًا كاملًا، والحصول على رؤية شاملة لكل جوانبها، يوّلد هذا النقص لدى المستخدم السحابي مخاوف تقنية، ومخاوف أخرى تتعلق بالثقة وآلية استخدام البيانات الشخصية، فهو يشعر دائمًا أن خللًا ما قد يحدث دون أن يتحوط له. يتعامل المستخدمون عادةً مع هذه المخاوف بعدة طرق، أبرزها: استخدام أدوات المراقبة والتحليل ليبقوا على اطلاعٍ دائم بمدى جاهزية بنيتهم التحتية، ويكونوا على استعداد للاستجابة العاجلة لأي طارئ، بالإضافة إلى اهتمامهم بمعرفة سياسات مزود الخدمة حول استخدام بيانات العملاء.
اعتبارات إضافية تهم الشركات والمؤسسات
-
القوانين الناظمة: تخضع بعض القطاعات، مثل: الصحة والمالية والتعليم، إلى قوانين صارمة تحدد شروط تعاملهم مع بيانات العملاء لجهة تخزينها واستخدامها، وقد يمنع بعضها تخزين بياناتهم في الخدمات السحابية العامة، لذا تلجأ الجهات التابعة لهذه القطاعات إلى استخدام نماذج سحابية هجينة وحلول تقنية خاصة للامتثال لهذه الضوابط، وإلى جانب القوانين الخاصة بكل قطاع توجد أيضًا لوائح تنظيمية تتعلق بحماية بيانات العملاء في بعض المناطق حول العالم، فيتعين عليهم أيضًا الامتثال لقوانين البلد الذي يقطن فيه عملائهم، فعلى سبيل المثال يلتزم مزودو الخدمات السحابية بالنظام الأوروبي العام لحماية البيانات (GDPR) عند تعاملهم مع عملاء من الاتحاد الأوروبي.
-
التعقيد: تهجير الموارد الحاسوبية للمؤسسة إلى البيئة السحابية عملية حساسة ومعقدة للغاية، وتتطلب تخطيطًا دقيقًا، وحوكمة إدارية، وإشرافًا مستمرًا لتجنب مشكلات عدم التوافق، ومخاطر فقدان البيانات، وزيادة التكاليف غير المدروسة. خلاصة القول: تساعد الحوسبة السحابية المؤسسات على خفض تكاليف تجهيز بنيتها التحتية، لكنها بالمقابل تحتاج خبراء تقنيين للتخطيط للبنية التحتية وإدارتها وتوجيهها بالاتجاه الصحيح.
الملخص
تؤمن التقنيات السحابية فرصًا كبيرة للشركات والمطورين المستقلين والباحثين والمعلمين والطلاب. لكن استفادتك الحقيقية من ميزاتها وعروضها تتطلب منك فهمًا جيدًا لأنواع الخدمات السحابية، ونماذج تقديمها، وفوائدها، ومخاطرها، لتختر منها ما يناسب طبيعة عملك، وميزانيتك، وخصوصية بياناتك.
ترجمة -وبتصرف- للمقال A General Introduction to Cloud Computing لصاحبته Erin Glass.
تعليقات
إرسال تعليق